فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}.
يريد أهل مكة؛ أي أفلم يتبين لهم خبر من أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إذا سافروا وخرجوا في التجارة طلب المعيشة، فيرون بلاد الأمم الماضية، والقرون الخالية خاوية؛ أي أفلا يخافون أن يحلّ بهم مثل ما حلّ بالكفار قبلهم.
وقرأ ابن عباس والسُّلَمي وغيرهما {نَهْدِ لَهُمْ} بالنون وهي أبين.
و{يهد} بالياء مشكل لأجل الفاعل؛ فقال الكوفيون: {كَمْ} الفاعل؛ النحاس: وهذا خطأ؛ لأن {كم} استفهام فلا يعمل فيها ما قبلها.
وقال الزجاج: المعنى أولم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكنا.
وحقيقة {يهد} يدل على الهدى؛ فالفاعل هو الهدى تقديره: أفلم يهد الهدي لهم.
قال الزجاج: {كم} في موضع نصب ب {أَهْلَكْنَا}.
قوله تعالى: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا} فيه تقديم وتأخير؛ أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزامًا؛ قاله قتادة.
واللزام الملازمة؛ أي لكان العذاب لازمًا لهم.
وأضمر اسم كان.
قال الزجاج: {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} عطف على {كلمة}.
قتادة: والمراد القيامة؛ وقاله القتبي.
وقيل: تأخيرهم إلى يوم بدر.
قوله تعالى: {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} أمره تعالى بالصبر على أقوالهم: إنه ساحر؛ إنه كاهن؛ إنه كذاب؛ إلى غير ذلك.
والمعنى: لا تحفل بهم؛ فإن لعذابهم وقتًا مضروبًا لا يتقدّم ولا يتأخر.
ثم قيل: هذا منسوخ بآية القتال.
وقيل: ليس منسوخًا؛ إذ لم يستأصل الكفار بعد آية القتال بل بقي المعظم منهم.
قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} قال أكثر المتأولين: هذه إشارة إلى الصلوات الخمس {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} صلاة الصبح {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} صلاة العصر {وَمِنْ آنَاءِ الليل} العتمة {وَأَطْرَافَ النهار} المغرب والظهر؛ لأن الظهر في آخر طرف النهار الأوّل، وأوّل طرف النهار الآخر؛ فهي في طرفين منه؛ والطرف الثالث غروب الشمس وهو وقت المغرب.
وقيل: النهار ينقسم قسمين فصلهما الزوال، ولكل قسم طرفان، فعند الزوال طرفان؛ الآخر من القسم الأوّل والأوّل من القسم الآخر؛ فقال عن الطرفين أطرافًا على نحو {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وأشار إلى هذا النظر ابن فورك في المشكل.
وقيل: النهار للجنس فلكل يوم طرف، وهو إلى جمع لأنه يعود في كل نهار.
{وآناء الليل} ساعاته وواحد الآناء إِنْيٌ وإِنًى وأَنًى.
وقالت فرقة: المراد بالآية صلاة التطوّع؛ قاله الحسن.
قوله تعالى: {لَعَلَّكَ ترضى} بفتح التاء؛ أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به.
وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم {تُرْضَى} بضم التاء؛ أي لعلك تُعطَى ما يرضيك.
قوله تعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ}.
وقد تقدّم معناه في الحجر.
{أزْوَاجًا} مفعول ب {متعنا}.
و{زَهْرَةَ} نصب على الحال.
وقال الزجاج: {زهرة} منصوبة بمعنى {متعنا} لأن معناه جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة؛ أو بفعل مضمر وهو {جعلنا} أي جعلنا لهم زهرة الحياة الدنيا؛ عن الزجاج أيضا.
وقيل: هي بدل من الهاء في {به} على الموضع، كما تقول: مررت به أخاك.
وأشار الفراء إلى نصبه على الحال؛ والعامل فيه {مَتَّعْنَا} قال: كما تقول مررت به المسكين؛ وقدره: متعناهم به زهرةَ في الحياة الدنيا وزينة فيها.
ويجوز أن ينتصب على المصدر مثل {صُنْعَ الله} [النمل: 88] و{وَعْدَ الله} [الروم: 6] وفيه نظر.
والأحسن أن ينتصب على الحال ويحذف التنوين لسكونه وسكون اللام من الحياة؛ كما قرئ {وَلاَ اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارَ} بنصب النهار بسابق على تقدير حذف التنوين لسكونه وسكون اللام، وتكون {الحياة} مخفوضة على البدل من {ما} في قوله: {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} فيكون التقدير: ولا تمدنّ عينيك إلى الحياة الدنيا زهرةً أي في حال زهرتها.
ولا يحسن أن يكون {زهرة} بدلًا من {ما} على الموضع في قوله: {إلى ما متعنا} لأن {لِنَفْتِنَهُمْ} متعلق ب {متعنا} و{زَهْرَةَ الحياة الدنيا} يعني زينتها بالنبات.
والزَّهَرة، بالفتح في الزاي والهاء نَوْر النبات.
والزُّهَرة بضم الزاي وفتح الهاء النجم.
وبنو زُهْرة بسكون الهاء؛ قاله ابن عزيز.
وقرأ عيسى بن عمر {زَهَرَةَ} بفتح الهاء مثل نَهْر ونَهَر.
ويقال: سراج زاهر أي له بريق.
وزهر الأشجار ما يروق من ألوانها.
وفي الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون؛ أي نير اللون؛ يقال لكل شيء مستنير: زاهر، وهو أحسن الألوان.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أي لنبتليهم.
وقيل: لنجعل ذلك فتنة لهم وضلالًا.
ومعنى الآية: لا تجعل يا محمد لزهرة الدنيا وزنًا، فإنه لا بقاء لها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}.
زهرة: بفتح الهاء وسكونها نحو نهر ونهر ما يروق من النور، وسراج زاهر له بريق، والأنجم الزهر المضيئة، وأزهر الشجر بدا زهره وهو النور.
{أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم}.
قرأ الجمهور {يهد} الياء.
وقرأ فرقة منهم ابن عباس والسلمي بالنون، وبخهم تعالى وذكرهم العبر بمن تقدم من القرون، ويعني بالإهلاك الإهلاك الناشىء عن تكذيب الرسل وترك الإيمان بالله واتباع رسله، والفاعل ليهد ضمير عائد على الله تعالى، ويؤيد هذا التخريج قراءة نهد بالنون ومعناه نبين وقاله الزجاج.
وقيل: الفاعل مقدر تقديره الهدى والآراء والنظر والاعتبار.
وقال ابن عطية: وهذا أحسن ما يقدر به عندي انتهى.
وهو قول المبرد وليس بجيد إذ فيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وتحسينه أن يقال الفاعل مضمر تقديره {يهد} هو أي الهدى.
وقال أبو البقاء: الفاعل ما دل عليه {أهلكنا} والجملة مفسرة له.
قال الحوفي {كم أهلكنا} قد دل على هلاك القرون، فالتقدير أفلم نبين لهم هلاك من {أهلكنا} {من القرون} ومحو آثارهم فيتعظوا بذلك.
وقال الزمخشري: فاعل {لم يهد} الجملة بعده يريد ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه ونظيره قوله تعالى: {وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين} أي تركنا عليه هذا الكلام، ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول انتهى.
وكون الجملة فاعلًا هو مذهب كوفي، وأما تشبيهه وتنظيره بقوله: {تركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين} فإن تركنا عليه معناه معنى القول فحكيت به الجملة كأنه قيل وقلنا عليه، وأطلقنا عليه هذا اللفظ والجملة تحكي بمعنى القول كما تحكى بلفظه، وأحسن التخاريج الأول وهو أن يكون الفاعل ضميرًا عائدًا على الله كأنه قال: {أفلم} يبين الله ومفعول يبين محذوف، أي العبر بإهلاك القرون السابقة ثم قال: {كم أهلكنا} أي كثيرًا أهلكنا، فكم مفعوله بأهلكنا والجملة كأنها مفسرة للمفعول المحذوف ليهد.
وقال الحوفي: قال بعضهم هي في موضع رفع فاعل {يهد} وأنكر هذا على قائله لأن كم استفهام لا يعمل فيها ما قبلها انتهى.
وليست كم هنا استفهامًا بل هي خبرية.
وقال أبو البقاء: {يهد لهم} في فاعله وجهان أحدهما ضمير اسم الله تعالى أي ألم يبين الله لهم وعلق {يهد} هنا إذ كانت بمعنى يعلم كما علقت في قوله تعالى: {وتبين لكم كيف فعلنا بهم} انتهى.
و{كم} هنا خبرية والخبرية لا تعلق العامل عنها، وإنما تعلق عنه الاستفهامية.
وقرأ ابن السميفع: يُمَشُّون بالتشديد مبنيًا للمفعول لأن المشي يخلق خطوة بخطوة وحركة بحركة وسكونًا بسكون، فناسب البناء للمفعول والضمير في {يمشون} عائد على ما عاد عليه لهم وهم الكفار الموبخون يريد قريشًا، والعرب يتقلبون في بلاد عاد وثمود والطوائف التي كانت قريش تمر عليها إلى الشام وغيره، ويعاينون آثار هلاكهم و{يمشون في مساكنهم} جملة في موضع الحال من ضمير {لهم} والعامل {يهد} أي ألم نبين للمشركين في حال مشيهم في مساكن من أهلك من الكفار.
وقيل: حال من مفعول {أهلكنا} أي أهلكناهم غارين آمنين متصرّفين في مساكنهم لم يمنعهم عن التمتع والتصرف مانع من مرض ولا غيره، فجاءهم الإهلاك بغتة على حين غفلة منهم به.
{إن في ذلك} أي في ذلك التبيين بإهلاك القرون الماضية {لآيات لأولي النهى} أي العقول السليمة.
ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا يترك العذاب معجلًا على من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والكلمة السابقة هي المعدة بتأخير جزائهم في الآخرة قال تعالى: {بل الساعة موعدهم} تقول: لولا هذه العدة لكان مثل إهلاكنا عادًا وثمودًا لازمًا هؤلاء الكفرة، واللزام إما مصدر لازم وصف به وإما فعال بمعنى مفعل أي ملزم كأنه آلة للزوم، ولفظ لزومه كما قالوا لزاز خصم.
وقال أبو عبد الله الرازي: لا شبهة أن الكلمة إخبار الله تعالى ملائكته وكتبه في اللوح المحفوظ أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإن كذبوا يؤخرون ولا يفعل بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال انتهى.
والأجل أجل حياتهم أو أجل إهلاكهم في الدنيا أو عذاب يوم القيامة، أقوال: فعلى الأول يكون العذاب ما يلقى في قبره وما بعده.
وعلى الثاني: قتلهم بالسيف يوم بدر.
وعلى الثالث: هو عذاب جهنم.
وفي صحيح البخاري: أن يوم بدر هو اللزام وهو البطشة الكبرى والظاهر عطف {وأجل مسمى} على كلمة وأخر المعطوف عن المعطوف عليه، وفصل بينهما بجواب {لولا} لمراعاة الفواصل ورؤوس الآي، وأجاز الزمخشري أن يكون {وأجل} معطوفًا على الضمير المستكن في كان قال أي {لكان} الأخذ العاجل {وأجل مسمى} لازمين له كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل انتهى.
ثم أمره تعالى بالصبر على ما يقول مشركو قريش، وهم الذين عاد الضمير عليهم في {أفلم يهد لهم} وكانوا يقولون أشياء قبيحة مما نص الله عنهم في كتابه، فأمره تعالى بالصبر على أذاهم والاحتمال لما يصدر من سوء أخلاقهم، وأمره بالتسبيح والحمد لله و{بحمد ربك} في موضع الحال، أي وأنت حامد لربك.
والظاهر أنه أمر بالتسبيح مقرونًا بالحمد، وإما أن يراد اللفظ أي قل سبحان الله والحمد لله، أو أريد المعنى وهو التنزيه والتبرئة من السوء والثناء الجميل عليه.
وقال أبو مسلم: لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله في هذه الأوقات.
قال أبو عبد الله الرازي: وهذا القول أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره لأنه صبره أولًا {على ما يقولون} من التكذيب ومن إظهار الكفر والشرك الذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه عن قولهم حتى يكون مظهرًا لذلك وداعيًا، ولذلك ما جمع كل الأوقات أو يراد المجاز فيكون المراد الصلاة فقبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر {ومن آناء الليل} المغرب والعتمة {وأطراف النهار} الظهر وحده.
قال ابن عطية: ويحتمل اللفظ أن يراد قول سبحان الله وبحمده من بعد صلاة الصبح إلى ركعتي الضحى وقبل غروب الشمس، فقد قال عليه السلام: «من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه» انتهى.
وقال الزمخشري: {وقبل غروبها} يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها، وتعمد {آناء الليل} {وأطراف النهار} مختصًا لها بصلاتك، وذلك أن أفضل الذكر ما كان بالليل لاجتماع القلب وهدوّ الرجل والخلو بالرب.
وقال تعالى: {إن ناشئة الليل} وقال: {أمّن هو قانت آناء الليل} الآيتين.
ولأن الليل وقت السكون والراحة فإذا صرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق وللبدن أتعب وأنصب، فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله وقد تناول التسبيح في {آناء الليل} صلاة العتمة {وفي أطراف النهار} صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} عند بعض المفسرين انتهى.
وجاء هنا {وأطراف النهار} وفي هود {وأقم الصلاة طرفي النهار} فقيل: جاء على حد قوله:
ومهمهين قذفين مرتين ** ظهراهما مثل ظهور الترسين

جاءت التثنية على الأصل والجمع لا من اللبس إذ النهار ليس له إلاّ طرفان.
وقيل: هو على حقيقة الجمع الفجر الطرف الأول، والظهر والعصر من الطرف الثاني، والطرف الثالث المغرب والعشاء. وقيل: النهار له أربعة أطراف عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند زوال الشمس، وعند وقوفها للزوال. وقيل: الظهر في آخر طرف النهار الأول، وأول طرف النهار الآخر، فهي في طرفين منه، والطرف الثالث غروب الشمس وهو وقت المغرب. وقيل: يجعل النهار للجنس فلكل يوم طرف فيتكرر بتكرره.